يعد المسجد النبوي الشريف أحد أهم المعالم الإسلامية منذ بزوغ فجر الإسلام وحتى يومنا هذا ، ويقع المسجد النبوي
الشريف في المدينة المنورة وهي مدينة الرسول عليه الصلاة والسلام والتي هاجر إليها قادماً من مكة المكرمة
متوجهاً إليها لتكون بداية جديدة وحاسمة في التاريخ الإسلامي ، وكان رسولنا الكريم قد بنى المسجد النبوي في
المكان الذي بركت فيه ناقته القصواء عندما وصل المدينة مهاجراً حيث شارك عليه السلام في بنائه بيديه الشريفتين،
وصار مقر قيادته، وقيادة الخلفاء الراشدين من بعده، ومنذ ذلك التاريخ وهو يؤدي رسالته: موقعاً متميزاً للعبادة،
ومدرسة للعلم والمعرفة، ومنطلقاً للدعوة الإسلامية حتى يومنا هذا ..
قصــــة بنـــاء المسجــــــد النبـوي :-
خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة المكرمة مهاجرا ووصل إلى المدينة المنورة بعد رحلة طويلة وشاقة
وخرج أهل المدينة لاستقباله فنزل النبي صلى الله عليه وسلم أول الأمر ووضع أساس مسجد قباء ثم خرج من هناك
حتى وصل عليه الصلاة والسلام إلى المدينة تحفه جموع المسلمين من المهاجرين والأنصار والناس يرحبون به
ويتزاحمون عليه وكل واحد منهم يريد أن يأخذ بزمام ناقته ويستضيفه عنده فكان صلى الله عليه وسلم يقول لهم في
رفق: "خلوا سبيلها فإنها مأمورة". وسارت الناقة في طرقات المدينة وأهل كل حي يتمنون أن ينالوا شرف نزول النبي
صلى الله عليه وسلم عندهم إلى أن توقفت الناقة القصواء في مكان لتجفيف التمر يملكه غلامان يتيمان من بني النجار
وتقع في وسط المدينة فنزل صلى الله عليه وسلم وهو يقول: "هاهنا المنزل إن شاء الله". وكان ذلك المكان قريبا من
بيت "أبي أيوب" فحمل متاع النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيته ثم عرض الرسول صلى الله عليه وسلم أن يشتري
ذلك الموضع فقيل له: بل نقدمه لك دون ثمن يا رسول الله فرفض صلى الله عليه وسلم أن يأخذه دون أن يدفع ثمنه
فاشتراه بعشرة دنانير .
اختار رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه البقعة لتكون مسجداً يجتمع المسلمون فيه لأداء صلواتهم وعباداتهم، وكان
في الأرض قبور للمشركين وخِرَب ونخل، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقبور المشركين فنبشت، وبالخرب
فسويت، وبالنخل فقطع. وشرع مع أصحابه في بنائه، فاستغرق ذلك عدة شهور، وكان اتجاه القبلة يومئذ إلى بيت
المقدس في الجهة الشمالية منه.
أسس النبي المسجد في ربيع الأول من العام الأول من هجرته ، وكان طوله سبعين ذراعاً، وعرضه ستين ذراعاً، أي
ما يقارب 35 متراً طولاً، و30 عرضاً وارتفاع جدرانه: 2م، ومساحته الكلية: 1060 متر مربع تقريباً، وجعل أساسه من
الحجارة والدار من اللَّبِن وهو الطوب الذي لم يحرق بالنار، وكان النبي يبني معهم اللَّبِن والحجارة، وسقفه من الجريد ،
وكانت إنارة المسجد تتم بواسطة مشاعل من جريد النخل، توقد في الليل. وجعل للمسجد ثلاثة أبواب :
الباب الأول: في الجهة الجنوبية.
الباب الثاني: في الجهة الغربية، ويسمى باب عاتكة، ثم أصبح يعرف بباب الرحمة.
الباب الثالث: من الجهة الشرقية، ويسمى باب عثمان، ثم أصبح يعرف بباب جبريل.
وروى الإمام البخاري رحمه الله قصة بناء المسجد (7/266-فتح الباري) في حديث طويل عن أنس بن مالك رضي الله
عنه وفيه أن النبي : ((أمر ببناء المسجد فأرسل إلى ملأ من بني النجار فجاؤوا، فقال: يا بني النجار ثامِنوني بحائطكم
هذا، فقالوا: لا والله لا نطلب ثمنه إلا إلى الله، قال: فكان فيه ما أقول لكم، كانت فيه قبور المشركين، وكانت فيه خِرَب،
وكان فيه نخل، فأمر رسول الله بقبور المشركين فنبشت، وبالخرب فسويت، وبالنخل فقطع، قال: فصفوا النخل قبلة
المسجد وجعلوا عضادتيه (خشبتان مثبتتان على جانبي الباب) حجارة، قال: جعلوا ينقلون ذاك الصخر وهم يرتجزون،
ورسول الله معهم يقولون: اللهم إنه لا خير إلا خير الآخرة فانصر الأنصار والمهاجرة )) .
ولما ازدحم المسجد النبوي وكثر المسلمون قام النبي بتوسيعه، وذلك في السنة السابعة من الهجرة بعد عودته من
خيبر فزاد في طوله عشرين ذراعاً وفي عرضه كذلك، وكان عثمان بن عفان رضي الله عنه هو الذي اشترى هذه
البقعة التي أضافها النبي كما في سنن الترمذي (5/3703).
تحويل القبلة إلى الكعبة :-
صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من المسلمين إلى بيت المقدس ستة عشر أو سبعة عشر أو ثمانية
عشر شهراً، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبه أن تكون قبلته إلى الكعبة قبلة أبيه إبراهيم عليه السلام.
وكان يكثر الدعاء والابتهال إلى الله عز وجل من أجل ذلك، فاستجاب الله له، قال تعالى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ في
السَّماء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا، فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ المسجدِ الحرامِ وحيثُ ما كُنْتُم فَولُّوا وجوهَكُم شَطْرَه، وإِنَّ الذين أُوتُوا
الكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أنه الحقُّ من ربهم، وما اللهُ بغافلٍ عَمًّا يعملون} [البقرة: 144].
وكان ذلك ـ حسب أغلب الروايات ـ في شهر رجب من السنة الثانية للهجرة.
ويروى أن ذلك كان في صلاة ظهر، وقد صلى الرسول صلى الله عليه وسلم مع أصحابه ركعتين، فلما نزلت آية تحويل
القبلة استدار مع المسلمين تجاه الكعبة وصلى الركعتين الباقيتين، وكانت صلاة العصر من هذا اليوم أول صلاة كاملة
صلاها تجاه الكعبة المشرفة.
وبعد تحويل القبلة قام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالإجراءات اللازمة في مسجده الشريف، فأغلق الباب الكائن
في الجدار الجنوبي ـ جدار القبلة الحالية ـ وفتح بدلاً منه باباً في الجدار الشمالي ـ جدار القبلة سابقاً.
وفي تحول المسلمين إلى الكعبة وانصرافهم عن بيت المقدس طعن السفهاء من المشركين وأهل الكتاب وقالوا: ما
وَلاَّهم عن قبلتهم التي كانوا عليها؟ فنـزل قوله تعالى: {سيقول السفهاءُ من الناس ما وَلاَّهُم عن قبلتهم التي كانوا
عليها قُلْ لله المشرقُ والمغربُ يهدي مَنْ يشاءُ إلى صراطٍ مستقيم} [البقرة: 142].
توسعات المسجد النبوي عبر التاريخ:-
أولاً : الرسول وصاحبته يقومون بأول توسعة للمسجد النبوي الشريف سنة 7 هـ بعد عودته من خيبر .
ثانياً : توسعة الفاروق عمر رضي الله عنه سنة 17 هـ.
ثالثاً : توسعة ذو النورين عثمان بن عفان رضي الله عنه سنة 29 هـ .
رابعاً : توسعة الخليفة الأموي الوليد بن عبدالملك (من سنة 88 هـ إلى 91 هـ).
خامساً : توسعة الخليفة المهدي العباسي (من سنة 161 هـ إلى 165 هـ).
سادساً : العمارة بعد الحريق الأول .
سابعاً : عمارة قبة المسجد النبوي الشريف .
ثامناً : العمارة والتوسعة في عهد السلطان المملوكي الأشرف قايتباي سنة 888 هـ .
تاسعاً : التوسعة والعمارة في العصر العثماني (من سنة 1265 هـ إلى 1277 هـ).
عاشراً : العمارة والتوسعة في عهد الملك عبدالعزيز آل سعود (من سنة 1372 هـ إلى 1375 هـ).
حادي عشر : التوسعة في عهد الملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود .
ثاني عشر : التوسعة في عهد الملك خالد بن عبدالعزيز آل سعود .
ثالث عشر : التوسعة في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود رحمه الله (من سنة 1406 هـ إلى 1426 هـ).
رابع عشر : التوسعة المستقبلية للمسجد النبوي .
وفيما يلي سوف أقوم بشرح كل تلك التوسعـــات